لم يكن لدى المخابرات العامة المصرية أي سببا للتفاخر في عملية أعداد واستخدام كيبورك يعقوبيان
إذا أن الجهود التي بذلها جهاز المخابرات المصرية في أعداده كانت أكثر بكثير من الثمار التي قطفوها نتيجة لذلك
إما يعقوبيان جاسوس فاشل سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى جمع المعلومات
عبارة أستخدمها الصحفي الإسرائيلي يوسي ملمان وصديقه أيتان هابر علشان يوصفوا بها واحد من أذكى جواسيس المخابرات المصرية
خدع أهم جهاز أمني في العالم وقدر بذكاؤه الفذ وموهبته الاستثنائية أنه يتسلل لعمق الجيش المحتل
وبعد ما أخترقه وسرب معلوماته الحساسة لمصر ووضع جهاز الشاباك الإسرائيلي في ورطة اتهمته إسرائيل بالفشل
يعقوبيان حير الصحافة الإسرائيلية لسنين
البعض قال عنه إنه جاسوس والبعض وصفه بأنه حوت المخابرات المصرية وصعب أن إسرائيل تقابل زيه مرتين
كيبورك يعقوبيان هل كان جاسوس عبقري ام فاشل? كيبورك يعقوبيان اتولد في مصر سنة ١٩٣٨وكان هو الإبن الوحيد لأبوين من الارمن استقروا في مصر بعد ما هاجروا من تركيا وخلال سنين دراسته طالب متفوق جدا وذكي إلى حد النبوغ
لدرجة أنه قبل ما يوصل لمرحلة الجامعة كان أتقن أربع لغات غير العربية
وهي الإنجليزية والاسبانية والتركية والفرنسية
لكنه مع الأسف بعد وفاة والده ما قدرش يكمل تعليمه
فاضطر أنه يخرج منه علشان يشتغل
وهنا لقى يعقوبيان نفسه في مأزق صعب جدا
وده لإنه ما كانش عنده أي مهارة أو حرفة يقدر عن طريقها أنه يحقق أي دخل يصرف به على نفسه وعلى والدته
فقرر إنه يستغل موهبته في التصوير
وبالفعل نزل للشارع علشان يصور الناس في أماكن الفسح والحدائق العامة
ومع أنه كان بيشتغل تقريبا ليل ونهار
إلا أنه في أخر اليوم كان بيلاقي نفسه كسب فلوس قليلة جدا
ما تكفيش حتى نفقاته الشخصية
لحد ما في يوم عرض عليه واحد صاحبه أنهم يستغلوا مهاراته اللغوية وكاريزمته وشكله وقدرته الجبارة على التمثيل والتقمص في عمليات نصب بسيطة كده لحد ما يلاقوا شغل
وبالفعل اتورط يعقوبيان معه في عمليات النصب دي لحد ما تم القبض عليه سنة ١٩٥٨واتحكم عليه بتلات شهور سجن
طبعا بعد القبض عليه كان كل همه أنه يخرج في أسرع وقت علشان ما يسيبش والدته لوحدها
وبالفعل بعد أقل من شهر اتفاجأ بظابط من المخابرات المصرية بيطلبه في مكتب المأمور
وبيعرض عليه أنه يخرجه من السجن وكمان يشطب القضية دي كلها من سجله
ويوفر له مبلغ كبير يأمن به مستقبله هو ووالدته
لكن في مقابل كل ده هيتم تكليفه بمهمة خاصة في إسرائيل
وهنا قبل ما يعرف يعقوب أيه هي المهمة دي ؟ أو أي تفاصيل عنها كان وافق فورا
وبعدها عرفه ظابط المخابرات أنهم عاوزينه يكون جاسوس لصالح مصر داخل إسرائيل
لأ ومش جاسوس عادي كده
ده جاسوس داخل الجيش الإسرائيلي نفسه
في الوقت ده كان جهاز المخابرات محتاج لمجموعة معلومات دقيقة جدا وحساسة عن الجانب الأمني والتسليح داخل الجيش الإسرائيلي
ده غير إنه كان محتاج لصور حية وتقارير مفصلة من قلب معسكرات الجيش نفسه
وعلشان كده فكروا في زرع جاسوس مصري داخل قوات الجيش الإسرائيلي
وطبعا الجاسوس ده لأزم يكون له مواصفات خاصة لإنه هيبقى في مكان حساس وخطير جدا وهيتعامل مع قادة عسكريين مش مجرد مجموعة من المدنيين وكان من بين المواصفات دي أن يكون شخص ذكي جدا ويقدر يتقمص الدور اللي هيرسمه له باحترافية عالية ويكون كمان ذاكرته قوية ويقدر يتعلم أي حاجة بسرعة خاصة اللغات وأهم حاجة يكون من أصول اجنبية علشان ما يثيرش الشبهات حواليه
وكل المميزات دي طبعا وأكتر منها كانت موجودة في كيبورك يعقوبيان
اللي بعد خروجه من السجن بدأت المخابرات مباشرة تنفيذ خطة تجنيده اللي كانت قايمة على نفس فكرة تجنيد رفعت الجمال أو رأفت الهجان اللي اتكلمنا عنه في مقال قبل كده وهي أن يتم توجيهه من خارج مصر بهوية وأسم مستعار
ولكن الإختلاف المرة دي هيكون زي ما قلنا في خطورة المكان اللي رايح له جاسوسهم
لإنه مش مطلوب منه الاندماج داخل المجتمع اليهودي المدني أو حتى الإتصال بشخصيات سياسية أو عسكرية مدني عادي لأ ده مطلوب منه الاندماج داخل أكتر جهاز خطورة وحساسية في الدولة
وبصفته واحد من جنوده كمان
وعلشان كده المخابرات المصرية كانت عاملة حسابها على كل حاجة
فزي ما قلنا بدأت عملية تجهيزه من أول ما خرج من السجن مباشرة
وكان بيتم تدريبه على خبراء متخصصين لمدة سنة تقريبا على أساسيات عمل الجاسوس
زي إستخدام الحبر السري والتخلص من المراقبة وتصغير الصور وهكذا
لكن طبعا دي كلها كانت أمور فرعية
أما أساس عملية التدريب فكان قائم على أعداده للدخول في هوية جديدة تماما
وهي أنه يتحول لشخص يهودي متدين حتى النخاع
وعلشان كده خضع يعقوبيان لعملية ختان في واحدة من المستشفيات التابعة للمخابرات المصرية
لأن من المفترض هيبقى يهودي ومتدين كمان
ودي حاجة تعتبر من أساسيات العقيدة اليهودية
وما كانش ينفع المخابرات تتجاهلها
ودي كانت أول خطوة في عملية تحوله للهوية اليهودية
أما الخطوة اللي بعد كده فكانت البحث عن طريقة تخليه يبان يهودي متدين جدا خلال أقل من سنة
وهو أصلا ما يعرفش أي حاجة عن الديانة اليهودية
في الأول كانت الخطة مبنية على أنهم يسلموا المهم لشخص يهودي عايش في مصر ويكون مضمون الولاء لهم
لكن طبعا في العملية دي بالذات ما كانش ينفع المجازفة ولو بنسبة ضئيلة جدا بتسريب المعلومات
وده اللي خلاهم يتراجعوا عنها وسابوا المهمة دي ليعقوبيان هو اللي يعملها بنفسه
ومن هنا بدأ يتردد يعقوبيان على وأماكن العبادة اليهودية في مصر
واتعرف على عاداتهم وتقاليدهم واعيادهم وصلواتهم
يعني بأختصار حياتهم بالكامل
ده بالإضافة لقراءته لبعض الكتب العبرية اللي وفرها له جهاز المخابرات وكانت بتتكلم عن إسرائيل
وطبعا هو كالعادة انجز ده كله إلى جانب تعلم اللغة العبرية في وقت قليل جدا
وبعد ما خلص تدريبه تماما وتم التأكد من أنه أصبح مؤهل لمهمته
بدأت المخابرات المصرية في عملية طمس هويته القديمة على الورق وأثبات هويته الجديدة
فالخطة كانت أنه يقدم نفسه على أساس أنه إبن لعائلة لاجئين يهود يوناني الأصل وصلوا لمصر عن طريق اليونان واستخرجوا للجهاز أوراق شخصية تثبت أنه يهودي بأسم يتسحاق زاتشي كوتشيك من مواليد سالونيك في اليونان وتاريخ ميلاده هو ١٩٣٥ يعني أكبر من عمره الحقيقي بتلت سنين وهنعرف ليه المخابرات عملت كده بعد شوية طبعا عن الجهة اللي المفروض أنها صدرت عنها الوثائق دي هي لجنة الجالية اليهودية الحاثمية في القاهرة
لكن كل الوثائق دي كانت مزورة على يد الوحدة الفنية في المخابرات المصرية
وطبعا عملية التزوير دي كانت دقيقة جدا وصعبة على أي جهاز في العالم كشفها
وبناء على الوثائق دي وجهة سحاق كوتشيك في سنة ١٩٦٠ لمكتب اللاجئين التابع للولايات المتحدة في القاهرة وطلب منهم الحصول على وثيقة لاجئ وادعى أن السلطات المصرية رفضت تمد له فترة إقامته في مصر بعد وفاة والدته وبعد كم أسبوع ادى له مكتب اللاجئين الوثيقة وساعتها أخدها وطلع بها على القنصلية البرازيلية في القاهرة وقدم على طلب هجرة للبرازيل
وهنا أحب أقول لك أن إختيار البرازيل كنقطة انطلاق له كان تصرف عبقري من المخابرات المصرية
وده لأن معظم اليهود المصريين اللي كانوا بيهاجروا لإسرائيل هجرتهم كانت بتبقى عن طريق بلاد اخري وده اللي عمله جاك بيتون أو رفعت الجمال نفسه
لكن مع نهاية الخمسينات قررت مصر وضع قيود على هجرة اليهود لأوروبا
علشان كده فكرة إختيار البرازيل كانت هتبان مقنعة أكتر
وفي مارس سنة ١٩٦١منحت القنصلية البرازيلية تأشيرة الهجرة ليعقوبيان علشان يسافر فورا عن طريق البحر ويتحرك من ميناء الإسكندرية لميناء جنوة في إيطاليا ومن إيطاليا يركب سفينة إسبانية كانت متجهة للبرازيل
وخلال رحلته على السفينة دي أتعرف على ايلي ارجمان وهو شاب أسرائيلي متدين كان مسافر هو وزوجته وبناته الأتنين البرازيل في زيارة عائلية وبعد ما اتعرفوا على بعض اتقرب كوتشك من عيلته اللي كانت من إحدى كيبوتس النقب وحكى لهم قصته اللي الفتها له المخابرات واللي كانت بتقول ان أبوه سابه في طفولته هو ووالدته في اليونان من غير ما يسأل عنه
وساعتها قررت أمه أنها تسافر لمصر
لكن توفت بعد فترة وسابته لوحده في بلد غريب ما يعرفش فيها حد
وفهمهم بأنه قرر يسافر لأمريكا اللاتينية علشان يبني مستقبله هناك
لأن ما فيش مستقبل لليهود القليلين اللي فضلوا في مصر بسبب الاضطهاد اللي بيشوفوه
خاصة وأنه بعد وفاة والدته ما بقاش له حد فيها
وطبعا المخابرات المصرية كانت مجهزة له صورة لقبر والدته اللي كان قبر من مقابر اليهود في مصر
وطبعا كان مزيف
علشان وهو بيحكي الحكاية دي يخرج الصورة ويفضل يبكي عليها بحرقة وآلم
وهنا اتأثر ارجمان وأسرته من حكاية كوتشيك اللي كان متوقع الخطوة الجاية بعد ما حكى حكايته
فعلا اللي توقعوا وحصل بالظبط ، وهو إن ارجمان عرض عليه أنه يرجع معه لإسرائيل
وهناك هيلاقي الملاذ الأمن والأهل اللي فقدهم
وعلى الرغم من أن يعقوبيان كان مستني العرض ده وكان هو بالظبط المطلوب علشان ما يبقاش هو صاحب فكرة السفر لإسرائيل ويثير حواليه الشكوك اللي أنه رفضه في الأول وصمم على موقفه بأنه عاوز يعيش ويشتغل في البرازيل
واستمرت رحلتهم لمدة أسبوعين كان واضح فيهم مدى اشفاق ارجمان عليه ومحاولته أنه يساعده
ووقتها فهم يعقوبيان أنه ماشي صح وزادت ثقته في نفسه أكتر
ولما وصلوا للبرازيل انفصلت عيلة ارجمان عنه وسابوا له عنوانهم في البرازيل
ومع الوقت بقت العلاقة قوية جدا بين كوتشيك وارجمان اللي كان كل مرة بيشوف كوتشيك كان بيفضل يحكي له عن نشأة الصهيونية والاستيطان اليهودي في إسرائيل وبين الحين والأخر كان بيلمح له ويشجعه على التفكير في الهجرة
وفي يوم أقترح على كوتشيك أنه يعرفه على كام موظف يعرفهم داخل الوكالة اليهودية في البرازيل على آمل إنهم يقنعوه ويوضحوا له حقوقه والمميزات اللي هيحصل عليها كمهاجر جديد لإسرائيل
وطبعا في البداية اظهر يعقوبيان تردده لكنه بعد كده وافق
وهم رايحين في الطريق لمكتب الوكالة اليهودية اللي كان موجود في تريو دي جانيرو حصلت حاجة كانت هتكشف يعقوبيان
وهي أنه لما مر جنبهم شخص كان لابس حاجة معينة تخص رجال الدين اليهودي ما كانش يعرف أيه ده
مع أنه المفروض زي ما قلنا شخص متدين جدا
وكان بيوصل لارجمان دايما انطباعات عن أنه مطلع على التقاليد اليهودية
الأمر عدى بسلام ساعتها
وبعد شهرين خلصت إجازة ارجمان اللي قرر أنه يرجع هو وأسرته لإسرائيل
وساعتها ودع ارجمان يعقوبيان وداع مؤثر وطلب منه لأخر مرة أنه يفكر في موضوع السفر ده
فوعده أنه ممكن يزوره في إسرائيل لكنها هتكون مجرد زيارة
وهنا أظهر له انه ممكن يقتنع بفكرته
والحقيقة أن تردد وتأخير يعقوبيان في حسم قرار السفر ده كان له سببين
الأول إحنا قلناه واللي هو كان بغرض التمويه
إما التاني فكان بغرض الإنتظار لحد ما يحصل على وثيقة قانونية من البرازيل تكون رسمية ومش مزورة لزيادة أكتر وبعد وقت قصير من وصوله لريدو جانيرو راح يقابل سليم عزيز السعيد واللي كان المفروض أنه ممثل مكتب التجارة المصري في العاصمة البرازيلية لكنه في الواقع كان ممثل المخابرات المصرية هناك
وساعتها ادى ليعقوبيان التعليمات بأنه ينتقل لمدينة ساو باولو علشان يستلم أوراقه الرسمية الحقيقية المرة دي مش المزورة وبعدها يرجع مرة تانية لريو دي جانيرو علشان يشتغل فترة في محل التصوير
وفعلا يعقوبيان نفذ التعليمات بالحرف لحد ما راح لمكتب الوكالة اليهودية مرة تانية
لكن المرة دي علشان يقدم طلب الهجرة لإسرائيل
وساعتها مكتب الهجرة فتحوا له ملفه اللي ما عداش عليه وقت طويل وكان أتقبل طلبه
وفي شهر ديسمبر لسنة ١٩٦١ ترك البرازيل زي ما جالها عن طريق البحر علشان يروح على إسرائيل
وفي ميناء جنوه الموجود في إيطاليا قابل يعقوبيان المسئول المباشر عنه من القاهرة والمسؤول عنه في ريو دي جانيرو وتلقى منهم تعليمات أخيرة قبل وصوله للهدف
وحسب الأوامر الجديدة فكان المطلوب منه أنه يندمج في المجتمع اليهودي بصورة تدريجية وبطيئة ويبذل مجهود كبير علشان يمكن نفسه بينهم منعا لتكرار نفس السيناريو اللي حصل معه ساعة لبس رجل الدين اليهودي اللي اتكلمنا عنه من شوية فينكشف ساعتها
وهنا المخابرات المصرية كانت عارفة أنها بعد ما تمت عملية إخفاء هويته القديمة بنجاح هتكون مهمة تجنيده في حد زاتها سهلة جدا
لأن هيحصل معه زي أي مهاجر جديد وهيتم اخده للخدمة في الجيش الإسرائيلي بعد فترة
وده علشان زي ما كلنا عارفين إن إسرائيل كانت وما زالت دولة عسكرية وتقريبا كده مش هتلاقي في قاموسها كلمة مدنيين دي موجودة على أرض الواقع
لكن اللي المخابرات المصرية كانت حاطة عينها عليه وطلبت من يعقوبيان ساعتها أنه يبذل طاقته علشان يوصل لهم أنه ينضم للعمليات الخاصة أو المخابرات الحربية أو على الأقل ينضم لسلاح المدرعات
وفي يوم عشرين ديسمبر سنة ١٩٦١وصل زكي كوتشيك لميناء حيفا وأول حاجة عملها هناك أنه أتصل بصديقه ارجمان اللي فرح جدا بوصوله واداله عنوانه وطلب منه يجي له فورا
وكان طبعا لقاءهم مؤثر جدا
وطلب منه ارجمان إنه يفضل عنده
لأنه كان عارف إن ما لوش حد هناك
وساعتها راح قدم له على طلب في الوكالة اليهودية علشان يوفروا له مكان يسكن فيه ويسجل له في مركز لتعليم اللغة العبرية
وبالفعل وفروا له أوضة داخل سكن جماعي في كيبوت سدروت ومكان في فصل من فصوله علشان يتعلم فيه اللغة العبرية
لكن كوتشيك ساعتها قال أنه مش عارف يتعلم العبري في الفصل ده
وكمان اشتكى إنه مش عايز يفضل ساكن في أوضة واحدة مع شخص غريب وطلب غرفة مستقلة
وهنا تدخل ارجمان تانية وطلب من دايرة الهجرة التابعة للوكالة اليهودية إنهم يبعتوه لمركز تاني في كيبوتس نكفة ويوفروا له سكن جواه
وطبعا ده كله كان ضمن الخطة اللي قالوا له عليها ظباط المخابرات أخر مرة لما قابلوه في المينا
والخطة هي إنه يحاول دايما يكون قريب من قطاع غزة علشان يبقى سهل عليه أنه يهرب في حالات الطوارئ
او لو انكشف وكمان يبقى سهل عليه نقل المعلومات بسرعة عن طريق بعض النقاط على الحدود اللي قالوا له عليها
طبعا يعقوبيان كان متعلم أصلا العبرية في مصر خلال سنة التدريب زي ما قلنا
لكن تعمد يبين أنه مش عارف يتعلم حاجة
وقدر يعقوبيان اللي كان طالب متفوق جدا وبيتكلم سبع لغات بعد ما أتعلم في مصر العبرية وفي البرازيل البرتغالية إنه يقنع المدرسين بأنه طالب فاشل وما فيش منه راجعة ومش مهتم بأي حاجة غير أنه يتعرف على بنات الكيبوتس وحتى التصوير كان بيتعمد يظهر فيه أقل إمكانياته فبالرغم من إنه خلال فترة تدريبه في مصر كان أتعلم التصوير بطريقة احترافية جدا الإ إنه كان بيتعمد يظهر الصور مهزوزة كإنه مجرد مصور هاوي مش أكتر وكان بيصور أي حاجة وكل حاجة علشان لما يبدأ في تصوير الحاجات اللي طلبتها المخابرات منه ما حدش يشك فيه
وخلال فترة تواجده في الكيبوتس يتعرف على ناس جديدة في محيطه وكانوا كلهم بيحبوه بسبب أنه كان شخص متواضع ومتعاون جدا واجتماعي كمان
وفي يوم راح مع ارجمان اللي أستمر في زيارته حتى بعد ما إنتقل لكيبوتس بعيد عنه لاستوديو تصوير في نكفة
وده لأن يعقوبيان كان مفهمه إنه عاوز يفتح استوديو تصوير علشان ما يجيش طلب انضمامه للجيش فجأة كده
وبسبب كاريزمته اللي اتكلمت عنها الصحف العبرية خلال محاكمته فيما بعد
واللي وصفوها بأنها كانت سبب في تجمهر ناس كتير داخل قاعة المحاكمة
أصبحت البنات داخل الكيبوتس بيحاولوا يتقربوا منه
لكنه قرر يتقرب من واحدة بالذات منهم
أسمها اسناد
كان عندها ١٧سنة ساعتها وأول ما اتعرفوا على بعض حكت له أنها يتيمة الأب والأم واللي قتلهم هو الجيش المصري خلال حرب تمانية واربعين
وطبعا أختياره لها بالذات كان عامل مهم جدا هيبان بعد كده تأثيره على نجاح خطته أو خطة المخابرات المصرية
وقبل ما ينهي عقوبيان فترة درسته في المركز وتحديدا في سنة ١٩٦٢ كان أتكلم معه المدرب بتاعه عن خططه المستقبلية
فقال له أنه بيفكر يستقر في الكيبوتس أو يبدأ عمله الخاص
وهو إنه يفتح استوديو تصوير صغير يا أما يتقدم للتجنيد في الجيش
لكن دي مجرد فكرة مش من أولوياته
ولما سمعت اسناد بالفكرة دي شجعته فورا والحت عليه إنه يدخل الجيش اللي كانت مغرمة به
فوافق فورا
وفي الوقت ده راح لمقر الوكالة اليهودية وقدم طلب للحصول على مساعدة مالية وسكنية
فصرفت له الوكالة مبلغ مالي ووجهته لشركة إسكان تبعها
فاختار له شقة في منطقة اشكون وقع عقد ايجارها بالاشتراك مع مهاجر جديد من المغرب والشقة دي كانت طبعا المسافة بينها وبين قطاع غزة أقل من سبعة كيلو فقط
وفي شهر نوفمبر ١٩٦٢ اتجند يتسحاق كوتشك بالفعل في الجيش الإسرائيلي
وطبعا طلب إنه يتجند في سلاح المدرعات حسب الخطة لكن تم إرساله لسلاح النقل
وهنا بقى اسمح لي أنقل لك اللي حصل بناء على الرواية اللي قالها يوسف المان وايتان هابر في كتاب الجواسيس
وبعدها نعلق على كل اللي اتقال
الرواية في الكتاب ده بتقول ان كيبورك يعقوبيان في خلال الدورة التدريبية الأولى كان بيقوم بتصوير زمايله على خلفية المعسكر
وبعد ما انهى دورته تم تعيينه كسائق شخصي لواحد من كبار ظباط الدفاع المدني
وهو العقيد شمعية بكنشتين
واللي بالمناسبة كان واحد من قيادات فرقة الهدانا
وعلى حسب كلام الكتاب فكل اللي بيعمله يعقوبيان في الوقت ده هو مجرد نقل الضابط من البيت للمكتب في يافا أو نقل بنته للمدرسة أو زوجته للسوق
يعني من الآخر ما وصلش خلال فترة شغله معه لأي معلومة سرية عن الجيش أو المنشآت الاستراتيجية
وفي الوقت ده كانت صديقته هي كمان اتجندت في الجيش الاسرائيلي
وبعد حوالي سنة من الخدمة قرر يعقوبيان أنه يترك الجيش واستغل الامكانية اللي منحها الجيش الاسرائيلي للمهاجرين الجدد واللي كانت بتسمح لأي شخص وصل لسن تمانية وعشرين أو أكثر بالخروج من الخدمة
وطبعا كده عرفنا أنه كان غرض المخابرات المصرية لما زورت تاريخ ميلاده هو إنه لو أحتاج لخطوة خروجه دي في أي وقت يقدر ينفذها
وكان الخروج من الخدمة ده بناء على أوامر من المخابرات المصرية بعد ما يأسوا من إحتمال نقله لوحدة أهم في الجيش
وبالفعل تم تسريحه في اكتوبر سنة ١٩٧٣
وساعتها قرر الزواج من إسناد والاستقرار في اشكون
وفي الآيام دي كان بدأ يدور على شغل لحد ما لقى استوديو تصوير أسمه منى كان صاحبه مصري ووافق يشغله معه
في الفترة دي لاحظ الجيران إنه بيركز في نشرات الأخبار اللي بتتذاع في الراديو
وبصفة خاصة اللي جاية من الاذاعات العربية
وكان اهتمامه بها بيوصل لدرجة إنه فجأة أول ما تبدأ النشرة يطلب من كل الموجودين الصمت التام علشان يركز
والتصرف دا خلى الجيران يشكوا فيه
وفي يوم ١٩ ديسمبر ١٩٦٣
يعني بعد سنتين بالظبط من هجرته لإسرائيل وصل مجموعة من رجال وحدة العمليات في جهاز الأمن أو الشاباك لبيتك كيبورك يعقوبيان واعتقلوه
وبعد التفتيش لقوا عنده دفتر شفرة وحبر سري وورقة فيها عناوين في أوروبا
وبعد التحقيق أعترف بكل حاجة من البداية عن تفاصيل حياته وتفاصيل خطة تجنيده والهدف منها
وقال كمان أن سر اهتمامه بسماع الأخبار في الإذاعة كان سببه أن المخابرات المصرية كانت بتنقل له تعليماتها أو تحذيراتها في رسايل مشفرة تبان أنها مجرد أخبار عادية للعامة
لكن بالنسبة له تعتبر رسائل خاصة وأن دفتر الشفرات اللي لقوه كان لفك شفرات الكلام اللي بيتقال خلال النشرة
وكانت الرسايل دي بتبعتها مصر عن طريق بث صوت العرب من القاهرة
واللي صدم محققي الشاباك خلال التحقيق معه هي المهام اللي كانت مسندة له
وده لأنها كانت ما لهاش آي قيمة أبدا
وما تستاهلش عميل في الكيان بهدف الحصول عليها
وده لأن المهام دي كانت عبارة عن شراء الصحف العبرية وارسالها لايطاليا علشان توصل للمخابرات العامة المصرية أو جمع وإرسال بعض أرقام التليفونات في إسرائيل من الهواتف العامة
بالإضافة لبعض المهام اللي تم تكليفه بها في مجال الاستخبارات الميداني زي الإبلاغ عن منشآت عسكرية وتصويرها
وبالنسبة للطريقة اللي كشفوه بها فتمت بمساعدة جاك بيتون أو الجاسوس المصري رفعت الجمال بصورة غير مباشرة
فبعد ما أبلغ الجمال لجهاز الأمن العام أو الشاباك عن عناوين بريد المخابرات المصرية في أوروبا
ودي طبعا كانت من المعلومات اللي سمح له جهاز المخابرات بنقلها أصبح جهاز الشاباك بيراقب أي بريد بيتم إرساله من إسرائيل لأوروبا لحد ما في يوم اعترضتهم مجموعة رسايل مبعوتة من يعقوبيان لبريد في إيطاليا مكتوبة بالحبر السري
وعلشان ما يكشفش عن هويته كانت الرسايل بأسم زكي سليم
ومش مكتوب عليها عنوانه طبعا
لكن قدروا يوصلوا له في الآخر بعد ما تتبعوا رسايله وعرفوا أن الشخص اللي بيبعتها ده عايش في جنوب إسرائيل وتحديدا في اشكالون
وبناء عليه بدأوا يراقبوا المدينة وشافوه وهو بيضيف ظرف في صندوق البريد
ولما اعترضوا الظرف ده لقوا جواه صور وتقارير فيها معلومات عن معسكر من معسكرات المنطقة جنوبية مكتوب بالحبر السري وبعد ما تم القبض عليه والتحقيق معه تمت محاكمته بصورة سريعة سنة ١٩٦٤ واتحكم عليه بالسجن لمدة ١٨سنة
ولكنه في يوم ٢٩مارس سنة ١٩٦٦
يعنى بعد سنتين فقط من سجنه اتفاجأ ببوابة زنزانته بتتفتح الصبح بدري وبيخرجوه منها
وساعتها تم نقله لحاجز ايريز وده حاجز بين إسرائيل وقطاع غزة
وهناك تم تسليمه للسلطات المصرية الساعة تسعة صباحا
والطريقة اللي بناء عليها تم تسليم يعقوبيان كانت من خلال عملية لتبادل الأسرى
واللي إن في سنة ١٩٦٥اتفاجئت السلطات المصرية بأن دورية للأمم المتحدة قبضت على تلت مواطنين اسرائيليين تسللوا عن طريق الخطأ للحدود المصرية وبعد التحقيق معهم أكتشفت السلطات أن التلات أشخاص دول وهم دافيد حانوخة وابن شمويل حنوخة وعودي مائر وأنهم تسللوا لقطاع غزة علشان كانوا رايحين يشتروا بطيخ
وفي الوقت ده كانت التجارة بين الاسرائليين وسكان قطاع غزة محظورة تماما
لكنهم تسللوا بشكل سري علشان يتمموا صفقة البطيخ
المهم إنهم بعد ما قربوا من الحدود قابلهم مجموعة تجار عرب وطلبوا منهم يمشوا معهم لمكان بعيد علشان ما حدش يشوفهم واتفاجئوا ساعتها بدخولهم الحدود المصرية بالخطأ
لكن ولسوء حظهم وصلت في اللحظة دي دورية قوات الأمم المتحدة
واعتقلوا الاسرائيليين التلاتة بتهمة التسلل للأراضي المصرية
ونقلوهم لموقع مصر قريب
وبعد التحقيق معهم تم نقلهم للقاهرة
وطبعا أول ما سمعت اسرائيل بخبر اعتقالهم طالبت مصر بإطلاق سراحهم
لكن ساعتها مصر رفضت تسليمهم غير لما يتم مبادلتهم مع كيبورك يعقوبيان وأتنين من الفدائيين الفلسطينيين
وطبعا إسرائيل رفضت رفض قاطع إنها تبادل تلات مدنيين كانوا رايحين يشتروا بطيخ بجاسوس مصري كان مزروع داخل الجيش نفسه
وأتنين من الفدائيين كانوا هيفجروهم
لكن في النهاية كانت الغلبة لمصر وقدروا فعلا يتموا الصفقة العجيبة دي
وبعد فترة من توقيع اتفاقية كامب ديفيد وصل لمصر مجموعة صحفيين علشان يعملوا لقاء مع كيبورك يعقوبيان ويعرفوا منه قصته لكنهم اتفاجئوا إنه اختفى تماما وما ظهر وما لوش أي أثر لحد النهاردة وطبعا كان من الواضح إن المخابرات العامة تعمدت اخفاؤه عن أنظار إسرائيل وغيرت هويته للمرة التانية لأسباب امنية
وفي نهاية الكتاب قال المؤلف أن الضرر اللي سببه كيبورك يعقوبيان لأمن إسرائيل كان قليل جدا
ومعلوماته كانت ما لهاش قيمة وده لأن ما كانش وأخد عمله الاستخباراتي بجدية وما بذلش أي مجهود فيه
وكان كل همه استغلال المخابرات المصرية في إنها تحقق له أحلامه
وطبعا الكلام ده غالبا غير حقيقي بالمرة
وده باعتراف الكتاب نفسه والتقارير الإسرائيلية اللي ظهرت بعد كده
واللي على الرغم محاولاتها إظهار الجاسوس كيبورك يعقوبيان بمظهر الجاسوس الفاشل إلا إنها وقعت بنفسها في الفخ وذكرت بطولاته اللي ما ذكرتهاش حتى المخابرات المصرية
فمن فترة عرضت القناة السابعة في إسرائيل تقرير قالت إنه تم أعداده بناء على تحقيقات جهاز الشاباك وذكرت القناة تقريرها ده نفس الكلام اللي قاله كتاب الجواسيس وهو أن المخابرات المصرية فشلت فشل زريع في خطة تجنيد يعقوبيان
لكن على حسب اللي ذكره تقرير القناة نفسها فيعقوبيان نجح بالفعل في نقل معلومات كتير جدا مهمة وحساسة للمخابرات المصرية و أن أبسط المعلومات اللي نقلها دي كانت عن وجود مفاعل نووي بين منطقة ديمونة وسدوم
ده غير تقاريره عن نجاح إسرائيل في إتمام صفقة لطائرات الميراج الفرنسية ونجاح صفقات تانية لدبابات ووسائل قتالية حديثة ده غير تحديده لموقع معسكر حثا ومعسكر سلاح المدرعات في منطقة جوليث شمال إسرائيل وتقديم تقرير عن عدد الدبابات اللي كانت موجودة فيه مع صور لها
ده بالإضافة لكم المعلومات اللي سربها عن قيادة الدفاع المدني في يافا ورحلات تدريب طائرات الميراج والماستير
وطبعا أغلب المعلومات دي كان بيحصل عليها يعقوبيان بنفسه واللي ساعده الوصول لها كان اتصاله بالقائد شمعية بكنيشتين واللي كان بدوره له إتصالات قوية بكبار رجال الجيش والموساد داخل إسرائيل
ده غير أن في جزء كبير من المعلومات دي كان بيوصل له عن طريق صديقته اسناد بعد ما انضمت للجيش الاسرائيلي
واللي زي ما قلنا قبل كده كانت مغرمة به وببطولاته المزعومة
ولو افترضنا
أن كل المعلومات دي ما كانتش مهمة زي ما التقرير والكتاب بيقولوا فليه تم الحكم على كيبورك يعقوبيان بالسجن لمدة ١٨سنة كاملين والعقوبة دي حسب وصف الكتاب نفسه تعتبر مشددة ده غير أنه كان متوقع أصلا إنه يتحكم عليه بالمؤبد ولو كان كيبورك يعقوبيان فاشل ومتراخي فعلا زي ما قالوا عنه
فليه الصحف في الفترة دي وصفته في عناوينها بأنه أهم جاسوس تم القبض عليه في الفترة دي ؟ وليه وصفته صحيفة ديديعوتا احرينوت العبرية بأنه حوت ضخم لما قالت أن إجراءات الحراسة المشددة حوله كانت على ما يبدو ضرورية
لأنه ليس كل يوم يتم القبض على حوت ضخم مثل كوتشيك من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية
ده غير أن القناة السابعة نفسها قالت في تقريرها إن جهاز الشاباك أصلا كان شاكك من البداية في اتسحاق كوتشيك لكن الغريب وغير المفهوم إنه سمح له مع ذلك بالالتحاق بالجيش لكن كان تبريرهم أن الوظيفة غير حساسة
ولكن أن كون يعقوبيان قدر ينجح في الحصول على معلومات بالخطورة دي من وظيفة غير حساسة ده يخلينا نسأل طب لو كان في وظيفة حساسة كان عمل إيه? والحقيقة أن اللي حصل ده ما لوش غير معنى واحد وهو أن جهاز الشاباك كان بيحاول يداري على فشلوا وتقصيره الأمني مش أكتر
والحقيقة كمان أن دي ما كانتش أول ولا أخر مرة تحاول فيها إسرائيل إنها تقلب الحقايق لتحقيق انتصاراتها الوهمية واقناع العرب والمصريين نفسهم بحقيقة الأوهام دي
فزي ما حصل مع أشرف مروان اللي اتهمه الموساد بأنه عميل لهم واللي اتكلمنا عن الأتهامات اللي تم توجيهها له ولغز اغتياله في مقال قبل كده حصل بالظبط مع الجاسوس المصري رفعت الجمال نفس الشيء
لما اتهمته بالعمالة والعمل لصالح أسرأئيل